كتبت / هالة الشحات
بحث عن حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
محمد صلى الله عليه وسلم، الرجل الوحيد في الحياة الذي نجح بشكل
أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي معاً، إن هذا الاتحاد
الفريد الذي لا نظير له. هو أعظم شخصية أثرت في تاريخ البشرية.
محمد
صلى الله عليه وسلم كان الرجل، الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل
أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي، إن هذا الاتحاد الفريد الذي
لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معاً يخوله أن يُعتبر أعظم شخصية أثرت
في تاريخ البشرية.
إقرأ المزيد على موضوع.كوم: https://mawdoo3.com/%D8%A3%D8%AC%D9%85%D9%84_%D9%85%D8%A7_%D9%82%D9%8A%D9%84_%D8%B9%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A_%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85
إقرأ المزيد على موضوع.كوم: https://mawdoo3.com/%D8%A3%D8%AC%D9%85%D9%84_%D9%85%D8%A7_%D9%82%D9%8A%D9%84_%D8%B9%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A_%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85
محمد
صلى الله عليه وسلم كان الرجل، الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل
أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي، إن هذا الاتحاد الفريد الذي
لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معاً يخوله أن يُعتبر أعظم شخصية أثرت
في تاريخ البشرية.
إقرأ المزيد على موضوع.كوم: https://mawdoo3.com/%D8%A3%D8%AC%D9%85%D9%84_%D9%85%D8%A7_%D9%82%D9%8A%D9%84_%D8%B9%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A_%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85إنه هو رسول الله محمد، عبد الله ورسوله ومصطفاه وخليله ومختاره ومُجتباه وهَديته في هذه الحياة ورحمته للناس أجمعين. هو العبد الذي تشرَّف بكمال العبوديَّة لمولاه، والبَشَرُ الذي قرَّبه ربه وأدناه، ورفع مَقامه على الناس أجمعين، وختَم به الأنبياء والمرسلين.
إقرأ المزيد على موضوع.كوم: https://mawdoo3.com/%D8%A3%D8%AC%D9%85%D9%84_%D9%85%D8%A7_%D9%82%D9%8A%D9%84_%D8%B9%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A_%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85إنه هو رسول الله محمد، عبد الله ورسوله ومصطفاه وخليله ومختاره ومُجتباه وهَديته في هذه الحياة ورحمته للناس أجمعين. هو العبد الذي تشرَّف بكمال العبوديَّة لمولاه، والبَشَرُ الذي قرَّبه ربه وأدناه، ورفع مَقامه على الناس أجمعين، وختَم به الأنبياء والمرسلين.
فقد أكرم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بفضائل جمّة، وصفات عدة، فأحسن خلْقَه وأتم خُلُقه، حتى وصفه - تعالى - بقوله:{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }"القلم: 4"، ومنحه جل وعلا فضائل عديدة، وخصائص كثيرة، تميز بها صلى الله عليه وسلم عن غيره، فضلاً عن مكانة النبوة التي هي أشرف المراتب.
وإذا أردنا أن نقف على مكانة النبي صلى الله عليه وسلم فلنقف أولًا مع مكانته عند ربه جل في علاه فالله اصطفاه وزكَّاه على خَلْقه أجمعين.
زكاه في عقله؛ فقال تعالى :{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}"النجم: 2"
وزكاه في نُطْقه؛ فقال تعالى :{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} "النجم: 3"
وزكاه في علمه؛ فقال تعالى :{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} "النجم: 5". وزكاه في بصره؛ فقال تعالى :{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}"النجم: 17"
وزكاه في قلبه؛ فقال تعالى :{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}"النجم: 11"
وزكاه في ظهره؛ فقال تعالى :{وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ . الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ }"الشرح: 2، 3"
وزكاه في ذِكْره؛ فقال تعالى :{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك}"الشرح: 4" وزكاه كلَّه؛ فقال تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}"القلم: 4"
بل إن الله أمرنا بالتأدب مع نبيِّه صلى الله عليه وسلم غاية التأدب. وأعظم وأجل مثل أن الله تعالى ضرَب لنا في ذلك المَثَل الأعظم والأكرم في إكرامه وتكريمه لنبيه صلى الله عليه وسلم.
فإن الله تعالى لم يُناده في كتابه الكريم باسمه مُجردًا قط ، ولكن ناداه بشرف النبوة والرسالة؛ فقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}" الإسراء: 1"
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}" المزمل: 1"
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}" المدثر: 1"
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} "الأحزاب: 45"
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} "المائدة: 41"
وعندما أخبر الله عنه صلى الله عليه وسلم مُعرِّفا به ذاكرًا اسمه المجرد صلى الله عليه وسلم قَرَن اسمه بالرسول، فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} "الفتح: 29"
وقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} "آل عمران: 144". بينما نادى الله تعالى على جميع أنبيائه بأسمائهم المجردة ؛
فقال تعالى:{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا}"البقرة: 35". وقال تعالى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ}"هود: 48". وقال تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}"الصافات: 104، 105" وقال تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} "الأعراف: 144"
وقال تعالى: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}"آل عمران: 55" وقال تعالى:{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص: 26"
وقال تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى}"مريم: 7" وقال تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}"مريم: 12"
ثم إن الله تعالى تعبَّدنا أيضًا بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ بنفسه؛ فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}"الأحزاب: 56" كما أن الله تعالى تَكرِمة لمحمد صلى الله عليه وسلم لا يوقِع العذاب بقوم قد استحقوا العذاب لوجود النبي صلى الله عليه وسلم بينهم؛ فقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} "الأنفال: 33"
فانظر إلى هذا الاصطفاء، وهذه المنزلة للنبي صلى الله عليه وسلم عند ربه جل وعلا، فاستضافه عنده فوق سبع سموات، وذلك في رحلة الإسراء والمعراج ، فما أعظمَها من مكانة، وما أسماها من مَنزلة!
ثم إن الله تعالى قد اختصَّ نبيَّه صلى الله عليه وسلم بأمور في ذاته في الدنيا إضافة إلى ما ذُكِر؛ فالله عز وجل أخذ له العهد والميثاق على النبيين، وختَم الله به الأنبياء والمرسلين كما أن الله جعَل رسالتَه للناس كافة، وجعله الله رحمةً مُهداة، وكما بيَّنا من قبل أن الله أيَّده بالمعجزة الخالدة الباقية، ألا وهي القرآن الكريم ، كما أن الله تعالى قد اختصَّه بأمور في ذاته في الآخرة؛ مِثل الوسيلة والفضيلة والشفاعات العظمى والكوثر والحوض، وأنه أول مَن تُفتَح له أبواب الجنة وغير ذلك.
وكذلك اختصَّ الله أمتَه بأمور في الدنيا ؛ فجعلها خيرَ أمةٍ أُخرِجت للناس، وأحلَّ الله لها الغنائم، وتَجاوَز لها عن الخطأ والسهو والنسيان، وحفظها الله من الاستئصال، واختصَّها كذلك بيوم الجمعة وغير ذلك، وكذلك اختَصَّ الله أمته بأمور في الآخرة؛ منها أنها ستكون الأمة الشاهِدة على باقي الأمم، وأنها أول مَن تجتاز الصراط، وأنها تتميَّز بين سائر الأمر بالغُرِّ المُحجَّلين، وهي أكثر أهل الجنة، وهي الأمة الآخرة السابقة في دخول الجنة، إلى غير ذلك؛ فهذه إشارة عابرة لبيان مكانة ومنزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه تعالى.
نسب النبي ومولده
كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أشرف الناس نسباً وأعظمهم
مكانةً وفضلاً، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد
مناف بن قصي ـ والد النبي عبد الله من آمنة بنت وهب، ووُلد النبي
-عليه الصلاة والسلام - يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول
من عام الفيل ، وهو العام الذي توجّه فيه أبرهة لهدم الكعبة، إلّا أنّ
العرب تصدّت له، وأخبره عبد المطلّب بأنّ للبيت ربٌّ يحميه، فقدم
أبرهة مع الفيلة، فأرسل عليهم الله طيوراً تحمل حجارةً من نارٍ
أهلكتهم، وبذلك حمى الله البيت من أي أذى، وقد توفي والده وهو حملٌ
في بطن أمه على الصحيح من أقوال العلماء، فوُلد الرسول يتيماً،
قال - تعالى-: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) " الضحى :6 "
رضاعته
رضع محمدٌ -عليه الصلاة والسلام - من حليمة السعدية بعد أن قدمت إلى قريش تلتمس أيٍ من الرضعاء، وكان لها ابناً رضيعاً لا تجد ما يسدّ جوعه، ذلك بعد أن رفضت نساء بن سعد إرضاع النبي -عليه السلام- بسبب فقده لوالده؛ ظنّاً منهنّ أن لا تعود عليهنّ رضاعته بالخير والأجر، وبسبب ذلك نالت حليمة السعدية بركةً في حياتها وخيراً عظيماً لم ترَ مثله قطّ، ونشأ محمد -عليه السلام- بخلاف غيره من الشباب من حيث القوة والشدة، وعادت به إلى أمّه بعد أن بلغ العامين من عمره واستأذنتها ببقاء محمدٍ عندها خوفاً عليه من الأمراض في مكة ، وعاد معها بالفعل، وفي أحد الأيام أتاه رجلان ذوي ثيابٍ بيضاء شقّا بطنه واستخرجا علقةً سوداء منه، فكانت حادثة شقّ الصدر.
كفالته :
توفيت والدة النبي -عليه السلام- آمنة بنت وهب وهو ابن ست سنواتٍ، وكانت عائدةً به من منطقة الأبواء؛ وهي منطقةٌ واقعةٌ بين مكة والمدينة، إذ كانت في زيارةٍ لأخواله من بني عدي من بني النجار، فانتقل بعدها للعيش في كفالة جدّه عبد المطلب حيث كان يعتني به اعتناءً شديداً؛ ظانّاً فيه الخير والشأن العظيم، ثمّ توفي جدّه والنبي في الثامنة من عمره، وانتقل بعدها للعيش في كفالة عمه أبي طالب ، وكان يأخذه معه في رحلاته التجارية، وفي إحدى الرحلات أخبره إحدى الرهبان بأنّ محمداً سيكون ذو شأنٍ عظيمٍ .
رعيه للأغنام
عمل الرسول -عليه الصلاة والسلام- في رعي أغنام أهل مكة، وفي ذلك يقول - عليه الصلاة والسلام-: (ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ، فقالَ أصْحابُهُ: وأَنْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ - جزء من الدينار والدرهم- لأهْلِ مَكَّةَ)، وبذلك كان النبي -عليه السلام- قدوةً في كسب الرزق.
تجارته
كانت خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها- ذات مالٍ كثيرٍ ونسبٍ رفيعٍ، وكانت تعمل في التجارة، وحين بلغها أن محمداً رجلٌ صادقٌ في قوله أمينٌ في عمله كريمٌ في أخلاقه استأمنته على الخروج تاجراً بأموالها مع غلامٍ لها يُدعى ميسرة مقابل الأجر، فخرج -عليه الصلاة والسلام- تاجراً إلى بلاد الشام، وجلس في الطريق تحت ظلّ شجرةٍ قريبةٍ من راهبٍ، فأخبر الراهب ميسرة أنّ مَن نزل تحت تلك الشجرة لم يكن إلّا نبياً، وأخبر ميسرة خديجة بقول الراهب، ممّا كان سبباً في طلبها الزواج من الرسول، فخطبها له عمّه حمزة.
بداية الوحي وأحداث البعثة
اهتمّ العلماء بسيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وبالأحداث التي مرّ بها في حياته ، ومن هذه الأحداث بدء نزول الوحي عليه، وكان ذلك لمّا بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم- الأربعين من عمره، وهو السن الذي يكون الإنسان فيه قد بلغ سن الكمال والرشد،وقد بدأت آثار النبوّة تظهر على النبي بالرؤيا الصادقة، فكان النبي لا يرى الرؤيا إلا وتتحقّق مثلما جاءت.
قال له جبريل -عليه السلام-: اقرأ، فقال النبي: ما أنا بِقارئ، وكرّرها على النبي ثلاث مرات، وبعدها قال له:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}" العلق : 5"
، فرجع النبي إلى زوجته خديجة خائفاً مرتجفاً، وأخبرها بما رأى وشاهد في غار حراء، ورؤيته لجبريل، فقالت له: "كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتُعين على نوائب الدهر"، ومدحته بصفات كثيرة وطمأنته، وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لتُخبره بما حصل مع النبي؛ لأنه كان نصرانياً وعنده علم بالكتب السابقة، فقال لها: إن كان حقاً ما قلتِ فهو الناموس الأكبر الذي نزل على موسى، وإنه نبي هذه الأمة، وبعد فترة من هذا الحدث تأخّر نزول الوحي على النبي فاغتمّ لذلك وبقي ينتظر الوحي، وبقي النبي على هذه الحالة مدة طويلة، وبعد ذلك رأى جبريلاً جالساً على كُرسيٍّ بين السماء والأرض وبشّره بالنبوة، فخاف النبي من رؤيته ورجع إلى خديجة وهو يقول: زمّلوني، دثّروني، فأنزل الله عليه قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} ، فكانت هذه الآية نداءً للنبي - صلى الله عليه وسلم- لحمل التّكليف بمهمّة دعوة الناس إلى الإسلام
ولمّا بدأ النبي بدعوته كان أول من أسلم معه زوجته خديجة، فصدّقته بما جاء به من ربّه، وناصرته لتُخفّف عنه ما يلاقيه وما يكرهه ممن رفضوا دعوته وكذبوا بها، ثم أسلم أبو بكر وحمل همّ الدعوة مع النبي وسخّر كل ما يملك لخدمة الدين والنبي، ثم أسلم علي بن أبي طالب وكان عمره عشر سنين، ثم أسلم زيد بن حارثة، فأسلم معه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فكان هؤلاء الثمانية من السابقين إلى الإسلام والتصديق بالنبي.
بدأ النبي دعوته في مكة المكرمة، وقد مرّت الدعوة فيها بمرحلتين، الأولى: المرحلة السرية ، والثانية: المرحلة الجهرية، وكان لكل مرحلةٍ ظروفها الخاصة بها، ولكن في كلا المرحلتين واجهت الدعوة الكثير من المعاداة والمعارضة من المشركين للإسلام، فأما المرحلة السرّية فكانت مقتصرةً على أهل بيت النبي، بالإضافة إلى كل من توسّم النبي فيه الخير، فكان النبي يأخذهم إلى دار الأرقم؛ ليعلّمهم القرآن، ويخبرهم بِما ينزل عليه من الوحي؛ ليكونوا على اطّلاع بكل الأوامر الربانية، ولتعليم الناس المقاصد الربانية في بناء المجتمع، فانتشر الإسلام في مكة وخارجها، وكان الغاية من السرية في هذه المرحلة من مبدأ الأخذ بالأسباب لأجل ألا يعرّضوا أنفسهم للمواجهة مع قريش وهم قلّة مُستضعفة، ومن باب التدرّج في الدعوة والبدء بالأقرب والأهم، واستمرّت المرحلة السرية قرابة الثلاث سنوات، حتى أمر الله نبيّه بالجهر بها، وكان عدد الذين أسلموا مع النبي في هذه المرحلة أربعين رجلاً وامرأة واحدة.
الدعوة الجهرية
أمر الله نبيّه بالجهر بالدعوة بعد أن كان من الصعب على المشركين القضاء على الإسلام، خاصة أن غالبية الذين أسلموا من قبائل مختلفة، وأن معظمهم من أشراف القوم، ففي بداية هذه المرحلة جاء الأمر من الله للنبي بإيصال هذا الدين إلى أقربائه، لقوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)، وليكون أيضاً نوعاً من التدرّج في تبليغ رسالة الإسلام، وليكونوا معه ويحموه من باقي عشائر قريش، ثم جاءت الأوامر للنبي بتوسيع دعوته لتشمل قريش بكل عشائرها، فصعد النبي على جبل الصفا ونادى على كل بطون عشيرته ليخبرهم بأنه نبي، وقالَ: (أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقًا، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لكَ سَائِرَ اليَومِ، ألِهذا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: (تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وتَبَّ ما أغْنَى عنْه مَالُهُ وما كَسَبَ))، وأما عمّه أبو طالب فقد وقف معه وسانده في دعوته على الرغم من أنه لم يُؤمن، وترافق مع الأمر بالجهر بالدعوة الأمر بعدم التعرّض للمشركين بالقتال أو الصدام؛ كي لا يتم استئصال الدعوة وهي في بدايتها، قال تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).
صفات الرسول الخُلُقيّة
شهد الله - تعالى- لرسوله - صلى الله عليه وسلم- بكمال الصفات وعِظم الأخلاق، حيث قال: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }" القلم : 4" وهو ما جعل القلوب تتعلّق به وتتخلّى في سبيل حبّه عن كل ما يربطها بالجاهلية.
ـ الصدق: يُعدّ الصدق من الصفات الأصيلة في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد عُرف في مكة قبل الإسلام بالصادق الأمين ، وشهد له بهذه الصفة العظيمة العدو قبل الصديق، إذ لم يعهدوا عليه كذباً قط، وعرفوه صادقاً مع نفسه، وصادقاً مع ربه، ومع أهله والناس أجمعين، وقد كان صادقاً في كلامه، وصادقاً في نيّته وأعماله، وأمر -عليه الصلاة والسلام - أمّته بالصدق، واجتناب الكذب، وبيّن لهم أنّ الكذب من صفات المنافقين ، حيث قال: (آية المُنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذَبَ، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤْتُمن خان)
ـ التواضع : ضرب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أروع الأمثلة بتواضعه، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- سيد المتواضعين، حيث كان يجيب دعوة المسلمين فقيرهم وغنيهم، عبدهم وحرهم، ويقبل هديتهم، ويعيد مرضاهم، ويجلس على الأرض والحصير والبساط، وكان -عليه الصلاة والسلام- يقول: (لا تُطْروني، كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريمَ، فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه).وكان تواضع رسول الله -عليه السلام- حجّة على كل متكبّر، فكان يخفض جناحه للصغير والكبير، وللقريب والبعيد، ويلين جنبه لمن يخالطهم، وكان تواضعه سبباً في خدمة أهله والرّفق به، وقد سُئلت أم المؤمنين عائشة - رضى الله عنها- عن فعل النبي في بيته، فقالت: (كان بشرًا من البشرِ: يَفْلِي ثوبَه، و يحلبُ شاتَه، ويخدم نفسَه) وكان أبرز ما يظهر من تواضعه مع الضعفاء من الناس وأصحاب الحاجات، فكان إذا مرّ على الصبية الصغار سلّم عليهم، ولاطفهم بكلمة طيبة ولمسة حانية.
ـ الشجاعة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مثالاً يُقتدى به في الشجاعة والثبات، والمواقف في سيرته العطرة خير دليلٍ على ذلك، فعندما تآمر كفار قريش على قتله، وأحاط فرسانهم المدجّجين بالسلاح بمنزله، لم يرتعد له طرف، ولا ارتجف له جفن، بل كان ثابت القلب شجاعاً، حتى إنه نام في فراشه تلك الليلة، ثم خرج عليهم في منتصف الليل وحثا التراب على وجوههم ثم مضى في طريقه.
ـ الرحمة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس، فقد قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}،وممّا يدل على أنّ الرحمة متأصّلة في قلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ردّه عندما قيل له أُدع على المشركين، حيث قال: (إني لم أُبعَثْ لعَّانًا، وإنما بُعِثتُ رحمةً)، وقال الله - تعالى- مخاطباً رسوله عليه الصلاة والسلام: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، وقد حث - عليه الصلاة والسلام - أمته على التحلي بخلق الرحمة ، حيث قال: (الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ، ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ)، وكان إذا سمع بكاء الصبي وهو في صلاة الجماعة فيسرع في الصلاة رحمةً بأمّه، وكان يحمل ابنة بنته وهو يصلّي إذا قام حملها وإذا سجد وضعها.
ـ دائماً للبشر: كان - صلى الله عليه وسلم- دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب،وإذا تكلّم جلس الصحابة يستمعون له كأنّما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلّموا، وكان لا يقطع على أحدٍ حديثه.
ـ العدل: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مثالاً يُقتدى به في العدل، وكانت أفعاله وأقواله وحياته كلّها تطبيقاً واقعياً لهذه الصفة الخُلقية العظيمة، فقد رُوي عنه أنّه قال: (سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ)، وذكر منهم: (إمامٌ عدلٌ)،وقد حذّر أمّته من الظلم أشد التحذير، حيث قال: (مَن أعانَ علَى خصومةٍ بظُلمٍ، أو يعينُ علَى ظُلمٍ، لم يزَلْ في سخطِ اللَّهِ حتَّى ينزعَ)، ومن أبرز المواقف الدالة على عدله؛ إقامته لشرع الله - تعالى- ولو على أقرب النّاس إليه، فقد رُوي عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- في حادثة المرأة المخزومية التي سرقت أنّه قال: (والذي نفسُ محمدٍ بيده، لو أنّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدَها)،بالإضافة إلى عدله بين أزواجه، وتحمّل ما قد يقع من بعضهن بسبب الغيرة.
ـ الصفح والعفو: كان العفو سجيّة جليّة من سجاياه -عليه السلام-، وكان عفوه دليلٌ أبلجٌ على أنّ الإسلام لا يحمل الحقد على أحد، وإنّما هو رسالة تحمل العفو والصّفح عمّن ظلم وأساء، وعندما جاء يوم فتح مكة، كان -عليه السلام- مستحضراً لما فعله مشركو قريش من أذى، واضطهاد، وقتل، وإبعاد للمؤمنين، لكنّه غلّب جانب العفو والغفران، وعفا عنهم جميعاً.
ـ الكرم: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- مثالاً يقتدى به في الجود والكرم، فقد كان يعطي من غير أن يفكر للحظةٍ بالفقر، أو نقص المال ؛ لأنّه كان موقناً بأنّ الرزق بيد الله عزّ وجلّ، وعلى ثقةٍ بفضله سبحانه وتعالى، وقد دلّ على ذلك قول أنس بن مالك رضي الله عنه: (ما سُئل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الإسلامِ شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلَينِ، فرجع إلى قومِه، فقال: يا قومُ أسلِموا، فإنَّ محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقةَ)، وروي أنّ امرأة أهدت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- شملةً منسوجةً، فلبسها النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وهو محتاج إليها، وبينما هو جالسٌ مع أصحابه رضي الله عنهم، رآها رجلٌ منهم، فقال: (يا رسولَ اللهِ، ما أحسنَ هذه، فاكسُنيها، فقال: نعم، وبعدما ذهب النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، لامَه أصحابُه، قالوا: ما أحسنتَ حين رأيتَ النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- أخذها محتاجًا إليها، ثمّ سألتَه إياها، وقد عرفتَ أنّه لا يُسألُ شيئًا فيمنعَه، فقال: رجوتُ بركتَها حين لبِسَها النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، لعلي أُكفَّنُ فيها)
الجمال البياني للرسول
كان الأسلوب اللغوي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- من أهم مظاهر جماله، حيث تميّز بالفصاحة، وعذوبة المنطق، ويمكن القول أن الفصاحة صفة تجمع بين حُسن اختيار الكلمات من غير تكلفٍ أو توعرٍ، وسلامة النّطق، وجمال الموضوع، وقد تحقّقت كلها في محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان فصيح اللسان بسبب نشأته البدويّة القرشيّة الخالصة، وقد اتّفقت الروايات التي تدلّ على تنزيه نطقه من عيوب الحروف ومخارجها، وقدرته على إيقاعها في أحسن مواقعها، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- سليم الكلام والمنطق.
وأما موضوع كلامه فقد كان وحي من الله تعالى، مصداقاً لقوله عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }"النجم: 3، 4"
وأما المنطق العذب الذي كان يميّز كلامه فقد كان له تأثيرٌ خاصٌ على مستمعيه، وجذب أسماعهم، وفتح عقولهم وقلوبهم، كما قال ابن القيم رحمه الله: "إن كلامه يأخذ القلوب، ويسبي الأرواح، ويشهد له بذلك أعداؤه، وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل، مبيّن، يعدّ العاد ليس بهذا مسرع، ولا يحفظ، ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام، بل هديه فيه أكمل الهدي".
مفهوم الوحي
يبلّغ الله أنبياءه رسالته وأوامره عبر طرقٍ عديدةٍ ذُكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويمكن حصرها بثلاث طرقٍ ذكرها الله تعالى في قوله:{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }" الشورى:51"
يُطلق الوحي على الكتاب، ويُطلق أيضاً على الإشارة، والرسالة، والكتابة، والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما يلقيه الإنسان على غيره، ويُقال أوحى إليه أي كلّمه بكلامٍ خفي.
وأما الوحي بالمعنى الشرعي: فهو إخبار الله لمن اختارهم من عباده بكل ما أراد أن يُطلعهم عليه من أنواع الإعلام والهدى، وهذا الوحي يكون بطريقةٍ خفيّة سريّة وغير معلومة للبشر الآخرين،وهذا الوحي يأتي على عدّة أشكال، فقد يكون كلاماً بين الله وعبده؛ كموسى عليه السلام، وقد يكون إلهاماً يقذفه الله في قلب النبي فلا يستطيع دفعه، ولا يتطرّق إليه الشك به، وقد يكون عن طريق المنام، وقد يكون بواسطة جبريل -عليه السلام- وهو أمين الوحي، وهذا النوع هو أشهرها، والقرآن كله من قبيل هذا النوع، وقد جاء لفظ الوحي وأنواعه في القرآن في أكثر من سبعين موضعاً، كلها تدور حول معنى الإعلام الخفي السريع.
ـ كلام الله لنبيّه مُباشرة، وبِدون واسطة، فَيُكلِّمه من وراء حِجاب، وأما كيفيّة التكليم فهي من أُمور الغيب التي لم يأتي دليلٌ صريحٌ على بيانها، إذ يسمع النبي كلاماً مفهوماً ولكن من غير أن يرى ربّه.
يمهّد الله تعالى لنبيه وللناس من حوله مسألة بعثته بعدّة مبشّرات أو معجزات تؤذن بقرب النبوّة إن كانت قبل البعثة، أو تدلّ على صدق النبي إن كانت بعد بعثته، ومن هذه العلامات :
علامات النبوة قبل البعثة :
ـ أرسل الله نبيّه محمد بعد انقطاع الرُسل لفترةٍ مؤقّتة، انتشر فيها الشرك، والخرافة، والجهل، فأنار الله بدعوته القلوب والعقول، ولكن قبل مبعث النبي كانت هناك علامات ودلائل تشير إلى نبوّته، منها :
ـ نزول البركة في بيت مُرضعته حليمة السعدية، كحصول الخير والبركة في المكان الذي ترعى به غنمها دون بقية الأماكن.
ـ حادثة شق صدر النبي وتطهيره من حظ الشيطان، عندما جاءه ملكان فشقّا قلبه واستخرجاه وغسلاه بماء زمزم.
ـ استسقاء جده عبد المطلب به في حالة القحط والجدب، وإجابة الله تعالى له.
ـ تبشير الكتب السماوية به وإيرادها لصفاته، ومن أهم صفات النبي الواردة في الكُتب السماوية السابقة:
ـ ما جاء في سفر التثنية أن موسى -عليه السلام- أخبر قومه قبل موته بأن النبوّة ستشرق في جبل فاران، وسيخرج منها نبي كما جاءته على جبل الطور،وكان المقصود نبي الله مُحمد وذلك لأن جبل فاران هو مكة المُكرمة.
ـ ما جاء على لسان هِرقل ملك الروم عندما سأل أبا سُفيان عن النبي، فوجد جميع الصفات التي ذُكرت عندهم في الكُتب السابقة مُطابقة لصفات النبي، مثل أن أتباعه من الضُعفاء، ولا يكذب، ويأمُر بعبادة الله وحده، وعدم الإشراك به، والصدق، والأمانة، وأنه ذو نسب في قومه، وأن أتباعه يزيدون ولا ينقصون، وأنه لا يغدر.
ـ ما جاء على لسان النجاشي لما سمع من جعفر عن رأي الإسلام في المسيح ابن مريم، فنطق الشهادتين وقال لمن حوله: إنه النبي الذي بشر به عيسى ابن مريم.
ـ سلام الحجر والشجر عليه أثناء سيره في مكة.
ـ تظليله بالغمام في وقت الظهيرة أثناء رحلته إلى الشام.
علامات النبوة بعد البعثة :
علامات النبوة بعد البعثة إن العلامات التي ظهرت على النبي - صلى الله عليه وسلم- بعد بعثته كثيرة، وتُسمّى بالمُعجزات، منها:
القُرآن الكريم
وهذه أعظم علامة تدُل على صدق النبي، فهي المُعجزة الباقية إلى قيام الساعة، فهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل، أنزله على النبي مُحمد وتحدّى به العرب فلم يستطيعوا مُقابلة هذه المُعجزة أو الإتيان بمثلها.
تعريف القرآن الكريم اصطلاحا
يعرّف القرآن الكريم اصطلاحا بأنَّه كلام الله - تعالى- المُنزل على نبيّه محمد - صلى الله عليه وسلم- بواسطة الوحي جبريل عليه السلام، المُتعبَّد بتلاوته، المكتوب بالمصاحف، المنقول بالتواتر، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس، وعلّة ارتباط هذه القيود بالتّعريف حتى تكون الدلالة عليه واضحةً ومحدّدةً؛ بحيث يمتنع دخول غيره فيه، فعند القول بأنَّه "كلام الله" يخرج بذلك كلام الجن والإنس والملائكة ، وعند قول "المنزل" يخرج ما استأثر الله - تعالى- بعلمه أو ما علَّمه للملائكة ولم يُعلِّمه للبشر، وهو المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم- فتخرج سائر الكتب السماوية الأُخرى بهذا القيد، وهو "المعجز" فلا يكون غيره من كلام الله كالأحاديث القدسية.
أهمية القرآن الكريم
إن القرآن الكريم كتابٌ منزلٌ لهداية البشرية وإصلاح حياة الفرد والجماعة المسلمة في جميع مناحي الحياة، ويحظى بمنزلةٍ عظيمةٍ في نفوس المسلمين كونه كلام ربّ العالمين، فإذا علم المسلم أنَّ قراءة القرآن سبباً في علو درجته عند ربّه -عزّ وجلّ- أقبل عليه إقبال المحبِّ، تلاوةً وتعلّماً وتدبراً ، ويُذكر أنَّه لا يوجد في تاريخ البشرية كتاباً حُفظ وقُرئ كما القرآن، وتظهر مكانته في حياة المسلمين فيما يأتي:
ـ القرآن الكريم من أبرز عوامل توحّد المسلمين، فقد أوجب الله - تعالى- الاعتصام بالقرآن الكريم والرجوع إليه وإلى السنة النبوية عند الاختلاف، ممّا يشكّل وجهةً واحدة لكلّ المسلمين في السّعي لتحقيق مصالح الدين والدنيا، يقول تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون }" آل عمران : 103"
ـ والقرآن حبل الله المتين الموصل لطريق الحق المبين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلَا وإنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَحَدُهُما كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، هو حَبْلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كانَ علَى الهُدَى، وَمَن تَرَكَهُ كانَ علَى ضَلَالَةٍ).
ـ القرآن منهجُ تربيةٍ للمسلمين؛ فقد حملت مضامينه منهجاً يهدف إلى إيقاظ بواعث الخير في نفوس المسلمين، وتوجيه طاقاتهم توجيهاً سليماً في كافّة المجالات التعبّدية، والأخلاقية، والسياسية، والاقتصادية وغيرها، والقرآن إذ يتفرّد بكونه كتابٌ جامع لكلّ عناصر التربية؛ فإنّه يقدّمها بواقعية وشمول واتّزان.
ـ القرآن مصدر الشريعة الإسلامية، حيث يُعدُّ بمثابة الدستور المنظِّم لحياة الأمة المسلمة، وما استغنى به المسلمون في زمنٍ من الأزمان إلا وأغناهم الله - تعالى- به عن كل شيء، وتجدر الإشارة إلى أنَّ الأُمور التي لم يرد بها نصٌ مباشرٌ في القرآن الكريم لم تكن نسياناً منه - سبحانه-، وإنَّما رحمةً منه بخلقه، وقد فتح الإسلام باب الاجتهاد في استنباط الأحكام لما يستجدّ في حياة النّاس من أمور استناداً للثوابت الشرعية، وبما لا يخالف مقاصد الشرعية الإسلامية .
ـ القرآن منهاج الحياة للمسلمين والذي من شأنه أن يوجّه الفرد المسلم إلى طريق الحق القويم في علاقته مع الله - تعالى- وعلاقته مع الناس ومع نفسه، فيعبد الله ويطيعه، وينظر إلى الكون نظر المتأمّل المُتفكِّر في عظمة الله الخالق، ويتعامل مع الحياة الدنيا على أنَّها وسيلةً للحياة الآخرة، وليست غايةً في حدِّ ذاتها، كما على المسلم أن يتَّبع منهج الله في طلب الحق وتزكية نفسه، ويؤدّي حقوق غيره من الناس، ويدافع عن أمّته وينصح لها، أمَّا عن علاقته بغير المسلمين فقد بيّنها القرآن الكريم في قوله تعالى {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}"الممتحنة 9:8"
ـ توجيه المسلمين إلى السنن الثابتة التي تستقيم بها الحياة على الأرض، فقد وعد الله - سبحانه- المؤمنين الذين يقيمون أمره في الأرض بالتمكين والاستخلاف والطمأنينة والبركة. تضمّن القرآن الكريم تعريفاً للإنسان بذاته، وكشف عن تكريم الله تعالى له، فقد سخَّر الله - تعالى- الكون بأسره للإنسان، وفضَّله على كثيرٍ من مخلوقاته؛ فهو المخلوق الذي خلقه الله بيده، وأسجد له الملائكة، وجعل له من النّعم ما لا يعدُّ ولا يُحصى، كما عرَّف القرآنُ الإنسانَ بالغاية من وجوده، والتي تتمثَّل بالعبادة وعمارة الأرض.
يوصف القرآن الكريم بأنّه كتاب هدايةٍ؛ فقد بيَّنتْ آياته طريق الحق وطريق الضلال مع مصير كلٍ منهما، ومن هنا فقد تضمّن مجموعةً من التشريعات؛ تهدف إلى حماية المجتمع من الفتن، ومن ذلك أنّه نهى الفواحش والآثام، وغيرها.
ـ القرآن الكريم زاخرٌ بالمواعظ التي يتعلّم الإنسان من خلالها أخطاء غيره ويتجاوزها، وتجدر الإشارة إلى اعتناء القرآن الكريم بالعقل، حيث إن العقل في الإسلام هو مناط التكليف، أمَّا تعطيله فهو من أشدّ الأُمور استنكاراً في الشريعة الإسلامية، لذلك نجد الكثير من الآيات الكريمة التي تدعونا إلى التفكّر والتدبّر، وقد اعتنى القرآن بالقلب، فقد وصف المؤمنين بأنَّهم عند سماعهم لآيات الله يزدادون إيماناَ وتسليماً لله - تعالى- وتلين قلوبهم عند ذكره، وينعكس هذا الإيمان والفهم والتدبّر للقرآن على سلوكهم.
وصف الله للقرآن الكريم
وصف الله - تعالى- القرآن الكريم بأنه كتاب هداية للبشرية أجمع، وهو أهمّ وصف وأكثره وروداً في آيات القرآن الكريم، فهو هدىً للخير والأفضل والأقوم في كل شيءٍ، أما الذين لم ينتفعوا به ولم يهتدوا به فذلك لأنهم قدّموا غيرهِ عليه، وجعلوا اهتمامهم بكلام البشر أكثر من كلام رب البشر وخالقهم،،
وقد وصف الله - تعالى- القرآن الكريم بعدة أوصاف أخرى منها:
1ـ الحق. 2ـ العلم. 3ـ البرهان. 4 ـ الفرقان. 5ـ الموعظة. 6ـ الشفاء. 7ـ النور.
ثبات الرسول أمام استخدام أقاربه للضغط عليه
بعد أن فشلت جميع المُحاولات، والأساليب التي استخدمها المشركون لصَدّ النبيّ عن دعوته، لجأوا إلى أُسلوب الضغط عليه من خلال أقربائه، وخاصّة أقرب المُقرَّبين منه، ومن ذلك أنّهم ذهبوا إلى عمّه أبي طالب؛ ليتكلَّم مع النبيّ في وقف دعوته، إلّا أنّ أبا طالب رَدَّهم رَدّاً جميلاً؛ لعِلمه بثبات النبيّ، وإيمانه بدعوته إيماناً قويّاً.
ثبات الرسول أمام إيذاء المشركين
يُعَدّ الإيذاء أحد الأساليب التي استخدمها المُشركون لصَدّ النبيّ عن دعوته؛ فقد كان عمّه وجاره أبو لهب يُؤذي النبيّ وهو في بيته، وكان بعض المُشركين يُلقون عليه أعضاء الشاة وهو في صلاته ، فقد جاء عُقبة بن أبي مُعيط ذات يوم بسلى الناقة*، ووضعه على ظهر النبيّ وهو ساجد يُصلّي عند الكعبة حتى جاءت ابنته فاطمة، وأزالته عن ظهره، ومن صُور الإيذاء التي تعرّض لها النبيّ أنّ أحد المشركين فتَّت عَظماً ونفخه في وجهه، ومع كلّ ذلك فقد ثبت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم - على الإسلام، وتحمّل هذا الأذى.
ثبات الرسول أمام سخرية قريش واستهزائهم به
تُعَدّ المواقف كثيرة على سخرية قريش من الرسول -عليه السلام-، ومن دعوته؛ ومن ذلك أنّهم قالوا عنه إنّه كذّاب، وساحر، ومجنون، وكاهن، وشاعر، وطلبوا منه قرآناً غير الذي يأتيه به الوحي، أو أن يأتيَهم بالقرآن دفعة واحدة، وحاولوا مرّات كثيرة إحراجه أمام الناس بأن يطلبوا منه إخراج الينابيع من الأرض، وأن يجعل لهم جنّات، وأنهاراً، فأجابهم بأنّه بشر لا يقدر على ذلك إلّا بأمر من الله، ولم تتوقّف سُخرية المشركين عند هذا الحدّ، بل تعدَّوا ذلك إلى السخرية من الصحابة، وكُلِّ من يُسلم معه - عليه الصلاة والسلام.
ثبات الرسول في الهجرة
ظلّت قُريش تُلقِّب النبيّ بالصادق الأمين إلى أن جاءهم بالإسلام؛ فبدأوا بِمُحاربته، واستخدام كافّة الوسائل ؛ لمَنعه من نَشر دينه، إلّا أنّ النبيّ ثبت على دعوته، وقد ظهر ذلك في عدّة صور، منها أنّ المشركين لمّا سمعوا بأنّ الله أَذِن لنبيّه بالهجرة، عقدوا اجتماعاً لبحث كيفيّة إيقاف هجرته إلى المدينة؛ فقرّروا قَتله، إلّا أنّ النبيّ ثبت على أمر الله له بالهجرة، وخطَّط لها مُتَّخِذاً الإجراءات اللازمة، كمبيت عليّ - رضي الله عنه- في فراشه، والخروج من بيته في النهار من فتحة كانت في ظهر بيت أبي بكر، واتّخاذ الطريق غير المُعتادة إلى المدينة، وتأمين الأشياء الضرورية من الطعام، وتأمين الدليل في الطريق، وإخفاء آثار أقدامه هو وأبو بكر، والتوجّه إلى غار ثور، والاختباء في داخله، كما تجلّى موقف الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأبي بكر في الثبات عندما وصل الكفّار، وذلك كلّه دالٌّ على أنَّ الثبات من لوازم الدعوة.
توفيّت السيدة خديجة التي كانت بمثابة السند لرسول الله قبل هجرته إلى المدينة بثلاث سنواتٍ، وفي ذات العام مرض أبو طالب الذي كان يحمي الرسول من أذى قريش مرضاً شديداً، واستغلّت قريش موقف مرضه وبدأت بالتعرّض للرسول بالأذى الشديد، وذهبت مجموعة من أشراف قريش إلى أبي طالب حين اشتدّ مرضه وطلبت منه أن يكفّ الرسول عن دعوته، فحدّثه أبو طالب بما يريدون، ولم يلتفت لذلك، وقبل وفاة أبي طالب حاول معه الرسول بنطق الشهادتين إلّا أنّه لم يستجب، وتوفي على حاله، وبوفاته ووفاة خديجة - رضي الله عنها- حزن الرسول حزناً شديداً؛ إذ كانا بمثابة السند والدعم والحماية له، وسمّي ذلك العام بعام الحزن.
الدعوة خارج مكة
توجّه رسول الله -عليه السلام- إلى الطائف في سبيل دعوة قبيلة ثقيف إلى توحيد الله بعد وفاة عمّه وزوجته، وتعرّض للأذى من قريش، طالباً من ثقيف نصرته وحمايته، والإيمان بما جاء، راجياً منهم القبول، إلّا أنهّم لم يستجيبوا وقابلوه بالسخرية والاستهزاء.
بيعة العقبة الأولى والثانية :
أتى وفدٌ من الأنصار يبلغ عددهم اثني عشر رجلاً إلى الرسول ليبايعوه على توحيد الله - سبحانه- وعدم السرقة وعدم الوقوع في الزنا أو المعاصي أو القول الزور، وتمّت تلك البيعة في مكانٍ يسمّى العقبة؛ ولذلك سمّيت ببيعة العقبة الأولى، وأرسل معهم الرسول مصعب بن عمير يعلّمهم القرآن ويبيّن لهم أمور الدين، وفي العام التالي في موسم الحج قدم إلى رسول الله ثلاث وسبعون رجلاً وامرأتين؛ ليبايعوه، وتمّت بذلك بيعة العقبة الثانية .
البيت النبوي
كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- مثالاً يُحتذى به في أخلاقه النبيلة والكريمة وتعاملاته السامية مع زوجاته وأبنائه وأصحابه، وبذلك استطاع -عليه الصلاة والسلام- غرس المبادئ والقيم في النفوس، وقد سنّ الله في الكون التزاوج بين الذكر والأنثى، وجعل العلاقة بينهما قائمةً على المودة والرحمة والسكينة، قال - تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}"الروم 21"
وطبّق الرسول المعاني الواردة في الآية السابقة، وأوصى أصحابه بالنساء وحثّ غيره على رعاية حقوقهنّ ومعاماتهن معاملةً حسنةً، فكان -عليه الصلاة والسلام- يواسي زوجاته ويخفّف من أحزانهنّ ويقدّر مشاعرهنّ ولا يستهزئ منهنّ ويمدحهنّ ويُثني عليهنّ، كما كان يساعدهنّ في أعمال المنزل، ويأكل معهنّ من إناءٍ واحدٍ، ويخرج معهنّ للتنزه لزيادة أواصر المحبة والمودة، وكان النبي قد تزوّج من إحدى عشر زوجةً، وهنّ:
ـ خديجة بنت خويلد: وهي أول زوجةٍ للنبي ولم يجمع معها غيرها من الزوجات، وأنجب منها كلّ أبنائه وبناته إلّا ابنه إبراهيم الذي وُلد من مارية القبطية التي كانت ملك يمينٍ عند الرسول -عليه السلام-، وكان القاسم أول مولودٍ للرسول وكُنيّ به، ثمّ رُزق بزينب فأمّ كلثوم ففاطمة وأخيراً بعبد الله الذي لُقّب بالطيب الطاهر.
ـ سودة بنت زمعة: وهي ثاني زوجاته، ومَن وهبت يومها لعائشة حبّاً بالنبي - عليه الصلاة والسلام-، وتمنّت عائشة أن تكون مثلها وعلى هديها، وتوفيت سودة في زمن عمر بن الخطاب.
ـ عائشة بنت أبي بكر الصديق: كانت أحبّ أزواج النبي إلى قلبه بعد خديجة، وكان الصحابة يعدّونها مرجعاً؛ حيث كانت من أفقه الناس في علوم الشريعة، ومن أفضالها أنّ الوحي نزل على رسول الله وهو في حِجْرها.
ـ حفصة بنت عمر بن الخطاب : تزوّجها رسول الله في السنة الثالثة للهجرة، وقد احتفظت بالمصحف حين جُمع.
ـ زينب بنت خزيمة : لقّبت بأمّ المساكين؛ لشدّة حرصها على إطعامهم وقضاء حوائجهم.
ـ أم سلمة هند بنت أبي أمية : تزوّجها رسول الله بعد وفاة زوجها أبي سلمة، وقد دعا لها وأخبر أنّها من أهل الجنة.
ـ زينب بنت جحش: تزوجها الرسول بأمرٍ من الله، وهي أوّل زوجةٍ كانت وفاتها بعد وفاة رسول الله.
ـ جويرية بنت الحارث : تزوّجها رسول الله بعد وقوعها أسيرةً في غزوة بني المصطلق، وكان اسمها بُرّة فسمّاها الرسول جويرية، وتوفيت في السنة الخمسين للهجرة.
ـ صفية بنت حيي بن أخطب : تزوّجها رسول الله بمهر عتقها بعد غزوة خيبر.
ـ أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان : هي الزوجة الأقرب لرسول الله نسباً بجدّهما عبد مناف.
ـ ميمونة بنت الحارث : وهي آخر زوجات النبي -عليه السلام.
عدد أولاد النبيّ
عدد أولاد النبي - صلى الله عليه وسلم- سبعة، أربع من الإناث، وثلاثة من الذكور، وقد توفي جميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ذكوراً وإناثاً في حياته ولم يبقَ إلا ابنته السيدة فاطمة توفيت بعده بما يقارب ستة أشهر ، وسيأتي التفصيل في كل ابن من أبنائه صلى الله عليه وسلم.
أبناء النبيّ من الذكور كان للنبي - صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أبناء من الذكور وهم: القاسم وهو أكبرهم وكان النبي يُكنى باسمه فيُقال له أبا القاسم، وعبد الله، وإبراهيم وكلهم ماتوا وهم صغار لحكمة أرادها الله - تعالى- وقد جاء في أخبار أبناء النبي ما يأتي:
القاسم : أنجبت السيدة خديجة - رضي الله عنها- للنبي -عليه السلام- أول ولدٍ ذكر وهو القاسم، وكانت ولادته قبل البعثة والنبوة، ولم يلبث كثيراً إلى أن تَوفّاه الله -تعالى- فقد توفي طفلاً رضيعاً قارب المشي حين ذلك وكان عمره سنتين.
عبدالله : وُلِد بعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام - إذ أنعم الله - تعالى- به على النبي وعلى أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها- ولُقِّب بالطاهر والطيب لأنه وُلد بعد بعثة النبي - صلى الله عليه وسلّم-، ولحِكمة أرادها الله - تعالى- تُوفيَ عبد الله أيضاً وكان لم يُكمل رَضاعه.
إبراهيم : رُزق النبي -عليه الصلاة والسلام- من زوجته أم المؤمنين مارية القبطية - رضي الله عنها- ابنه إبراهيم وقد سمّاه بذلك نسبةً إلى نبي الله إبراهيم -عليه السلام- أبو الأنبياء، وقد فرح النبي بقدومه فرحاً شديداً فعند ولادته حمله -عليه الصلاة والسلام- بين يديه وكبّر وحمد الله - تعالى- وكان قد تصدق بوزن شعره فضة. وقد كان الأنصار في المدينة يتنافسون ليحظوا بشرف إرضاعه وقيل إن خولة بنت المنذر قد أرضعته وهي زوجة البراء بن أوس بن النجار، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- قد أعطى مُرضعته قطعة نخيل وسبعاً من الماعز لتستعين بهم في إرضاعه لكنها لم تُتِم رضاعه، فأخذته أم سيف تُرضعه وكان النبي يُطِلُّ على ابنه في منزل أبي سيف. وكان -عليه الصلاة والسلام- يذهب بابنه إلى نسائه ليحملوه ويُقروا أعينهم به وكان -عليه الصلاة والسلام- يُلاعب ابنه ويُحادثه حتى بلغ من العمر ثمانية عشر شهراً، إذ مرض إبراهيم حتى انتقلت روحه إلى الله - تعالى فحزن النبي على فراقه وحزن المسلمون لحُزن النبي، وكان النبي يُخفف على أمه مريا - رضي الله عنها- ألم فقده بقوله:(إنَّ له مُرْضِعًا في الجَنَّةِ الجَنَّةِ). ثم قاموا بتغسيله، ودفنه في البقيع.
بنات النبيّ : رُزق النبي -عليه السلام- بأربع من البنات وهنّ:
زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة - رضي الله عنهن - وفيما يأتي بيان
أخبارهن :
زينب : كانت زينب - رضي الله عنها- أكبر بنات النبي -عليه الصلاة والسلام- لقبها زينب الكبرى وكانت قد تزوجت قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم- من أبي العاص ابن خالتها وكان ذا خُلقٍ حسن، رزق الله - تعالى- زينب وأبا العاص علي وأمامة. أسلمت زينب - رضي الله عنها- عندما كان زوجها في سفرٍ له وعند عودته أخبرته بإسلامها، أما هو فبقي على دينه كي لا يُقال عنه أنه خذل دين آبائه مرضاةً لامرأته ولم يُفرق بينهما النبي حينها. ولما جاء أمر الهجرة للمدنية المنورة خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ابنته زينب بقيت في مكة مع زوجها وأطفالها. ثم حصلت غزوة بدر وانتصر فيها المسلمون وكان قد أُسر أبو العاص وكان قد خرج مع قريش حينها ففدته زينب بقلادةٍ لأُمها خديجة - رضي الله عنها- إلا أن النبي حرّر أبا العاص وأعاد لها القلادة، وأمر أبا العاص بإرسال زينب إلى المدينة؛ لأن كلاً منهما على دين. فخرجت زينب -رضي الله عنها- متجهة لأبيها وكانت تحمل ببطنها مولوداً جديداً، وقد خرج رجال من قريش يتبعون أثرها وأدركها هبّار بن الأسود الأسدي وآخر معه وأخافها برمحه وطعن البعير الذي كانت تركبه السيدة زينب فوقعت على صخرة وكانت قد طرحت جنينها بسبب هذه الحادثة ورجعت ورعاها أبو العاص حتى استجمعت قواها وأكملت مسيرها للمدينة. وغضب النبي غضباً شديداً بسبب ما سمع حتى أخبر أصحابه: (إذا لقيتُم هبَّارَ بنَ الأسودِ ونافعَ بنَ عبدِ القَيسِ فحرِّقوهما بالنَّارِ) ثمَّ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال بعدَ ذلك: (لا يُعذِّبُ بها إلَّا اللهُ ولكِنْ إنْ لقيتُموهما فاقتُلوهما).
وبعد مضي ست سنوات على مكث السيدة زينب في المدينة وفراقها لزوجها جاءها زوجها أبو العاص مُستجيراً بها لمّا أمسك المسلمون قافلة قريش التي كان قد خرج بها، فأخبرت الناس أنها أجارت أبا العاص بن الربيع ووصل الخبر أباها -عليه الصلاة والسلام- فأقرَّ فعلها بل وأمرها بأن تُكرم مثواه، وفي اليوم التالي أمر النبي برد مال أبي العاص له فعاد إلى مكة المكرمة بالقافلة وأوفى حقوق الناس وردّ لهم مالهم ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ثم ذهب إلى النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وأسلم بين يديه وردّ زوجته. وبعد إسلامه بعام فارقت زينب الحياة في السنة الثامنة من الهجرة متأثرة بمرضها الذي أصابها إثر حادثة هجرتها، ونزل النبي في قبرها.
رقيّة : وُلِدت السيدة رقية في الجاهلية، وتزوجت - رضي الله عنها- بعد أختها زينب بوقت قصير، وكان قد خطبها عتبة ابن عم النبي أبي لهب، وتزوجت رقية من عُتبة بن عبد العزى لكنه لم يدخل بها، فلما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم- طلقها. إلا أن الله - تعالى- أبدل رقية خيراً منه إذ تزوّجها عثمان بن عفان - رضي الله عنه- وهو من أوائل من آمن بالرسول ومن العشر المبشرين بالجنة، وكانت قد هاجرت هي وزوجها عثمان بن عفان إلى الحبشة وحزنت لهجرتها حزناً شديداً، حتى هدأت الأوضاع بمكة عادوا إلى ديارهم في مكة ولما وصلت وذهبت للقاء أهلها علمت أن أمها السيدة خديجة رضي الله عنها قد فارقت الحياة وحزنت لذلك،وعندما هاجر المسلمون إلى المدينة خرجت السيدة رقية وزوجها عثمان بن عفان إلى المدينة المنورة لتكون ذات الهجرتين، ومَرِضت لمّا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجهّز لغزوة بدر فأمر عثمان بالبقاء إلى جانبها ورعايتها، وتوفيت قبل رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الغزوة.
أمّ كلثوم : هي ثالث بنات النبي، كان قد خطبها عتيبة ابن أبي لهب وطلّقها قبل الدخول بها عندما بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم- وبعد نزول قوله تعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}، وقد تزوجت السيدة أم كلثوم من عثمان بن عفان عقب وفاة أختها رقية، وكان زواجها في السنة الثالثة الهجرية، وبزواجه منها لُقب بذي النورين، وأمضت ست سنوات من حياتها معه ولم تنجب السيدة أم كلثوم، وشهدت السيدة أم كلثوم انتشار الإسلام وثباته وكانت قد أدركت فتح مكة قبل وفاتها، وتوفيت في السنة التاسعة من الهجرة، ونزل النبي - صلى الله عليه وسلم- في قبرها، .
فاطمة : السيدة فاطمة - رضي الله عنها- هي أصغر بنات النبي -عليه الصلاة والسلام- وتُكنَّى بأم أبيها لأنها كانت تُلازمه وترعاه. ولقبت بالزهراء لأنها كانت بيضاء الوجه مُستنيرة كوالدها - صلى الله عليه وسلم-، ولُقبت أيضاً بالبتول لتفردها عن نساء زمانها بالفضيلة والعفاف والدين والحسب. وُلدت قبل البعثة بخمس سنوات وكان عمر النبي خمسة وثلاثون عاماً حينها، وقد اعتادت السيدة خديجة عند ولادة أطفالها إرسالهم لمُرضعات ولكنها لم تُرسل فاطمة بل أرضعتها بنفسها. كانت فاطمة تُشبه أباها -عليه السلام- بشكله وهيئته وخُلُقه فعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: (ما رأَيْتُ أحَدًا كان أشبَهَ كلامًا وحديثًا برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن فاطمةَ)
تزوجت فاطمة من علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- كان يكبُر فاطمة بخمس سنوات وقد رُزقت منه الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم وزينب. وكان -عليه السلام- هو من سمّى أولادها فعن علي -رضي الله عنه- قال: ( لما وُلِدَ الحسنُ سميتُه حربًا ، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقال : أرُوني ابني ، ما سميتمُوه ؟ قلنا : حربًا ، قال : بل هو حسنٌ ، فلما وُلِدَ الحسينُ فذكر مثلَه ، وقال : بل هو حسينٌ ، فلما وُلِدَ الثالثُ قال مثلَه وقال : بل هو محسنٌ). وتوفيت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، دفنها ليلاً زوجها علي بن أبي طالب.
الغزوات
خاض النبي - عليه الصلاة والسلام- عدداً من الغزوات والمعارك بهدف إقامة الحق ودعوة الناس إلى توحيد الله - تعالى- بإزالة العوائق التي تُحيل دون نشر الدعوة، وتجدر الإشارة إلى أنّ الغزوات التي خاضها الرسول كانت نموذجاً عملياً في بيان صورة المُحارب الفاضل واحترام الإنسانية، ذلك بعد أن بدأت العلاقات تشتدّ بين رسول الله في المدينة والقبائل من خارجها، ممّا أدّى إلى وقوعٍ عددٍ من المواجهات القتالية بين الأطراف المختلفة، وسمّي القتال الذي شهده الرسول بالغزوة والذي لم يشهده بالسرية، وفيما يأتي بيان بعض تفاصيل الغزوات التي خاضها الرسول -عليه الصلاة والسلام- مع من معه من المسلمين:
غزوة بدر الكبرى
وقعت في السنة الثانية من الهجرة، في السابع عشر من شهر رمضان، وسببها اعتراض المسلمين لقافلة قريش المتّجهة إلى مكة بقيادة أبي سفيان ، فهبّت قريش لحماية قافلتها وحصل القتال بين المسلمين، وبلغ عدد المشركين ألف مقاتلٍ، فيما كان عدد المسلمين ثلاثمئةٍ وثلاثة عشر رجلاً، وانتهت بانتصار المسلمين وقتل سبعين من المشركين وأسر سبعين آخرين وتم عتقهم بالمال.
غزوة أحد
وقعت في السنة الثالثة من الهجرة، يوم السبت الموافق الخامس عشر من شوال، وسببها رغبة قريش في الثأر من المسلمين لما أصابها يوم بدر، حيث بلغ عدد المشركين ثلاثة آلاف مقاتل، فيما كان عدد المسلمين نحو سبعمئة رجل جُعل منهم خمسين على ظهر الجبل، وعندما ظنّ المسلمون أنّهم انتصروا بدأوا بجمع الغنائم، فانتهز خالد بن الوليد وكان حينها على الشرك الفرصة، والتفّ على المسلمين من وراء الجبل وقاتلهم، ممّا أدّى إلى انتصار المشركين على المسلمين.
غزوة بني النّضير
بنو النضير قومٌ من أقوام اليهود نقضوا العهد مع رسول الله، فأمر الرسول بإبعادهم عن المدينة، وأخبرهم قائد المنافقين عبد الله بن أبيّ بالبقاء في أماكنهم مقابل دعمهم بالمقاتلين، وانتهت الغزوة بإجلاء القوم من المدينة ومغادرتهم لها.
غزوة الأحزاب
وقعت في السنة الخامسة من الهجرة، وكان سببها توجّه رؤساء بني النضير إلى قريش لتحريضهم على قتال رسول الله، وقد أشار سلمان الفارسي على الرسول بحفر خندق؛ لذلك تسمّى هذه الغزوة أيضاً بغزوة الخندق، وانتهت بانتصار المسلمين.
غزوة بني قريظة
وهي الغزوة التالية لغزوة الأحزاب، وقد وقعت في السنة الخامسة للهجرة، وسببها نقض يهود بني قريظة العهد مع رسول الله، وتشكيلهم للأحزاب مع قريش، ورغبتهم في الغدر من المسلمين، فخرج رسول الله إليهم مع ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين، وحاصروهم خمسة وعشرين ليلة، فضاقت عليهم الحال، وخضعوا لأمر رسول الله.
غزوة الحديبية
وقعت في السنة السادسة للهجرة من شهر ذي القعدة، ذلك بعد أن رأى رسول الله في منامه أنّه ذاهبٌ ومن معه إلى البيت الحرام وهم آمنين محلّقين رؤوسهم، فأمر المسلمين بالتّجهز لأداء العمرة، وأحرموا من ذي الحليفة، ولم يأخذوا معهم إلّا سلام المسافر؛ لتعلم قريش أنّهم لا يبتغون القتال، ووصلوا إلى الحديبية إلّا أن قريشاً منعتهم من الدخول، فأرسل إليهم الرسول عثمان بن عفان يخبرهم بحقيقة مجيئهم، وأُشيع أنّه قتل، فرأى رسول الله بأن يعدّ العدّة ويقاتلهم، فأرسلوا سهيل بن عمرو للاتفاق معهم على الصلح، وتمّ الصلح بمنع الحرب مدة عشرة سنواتٍ، وأن يردّ المسلمون من يأتيهم من قريش وألّا تردّ قريش من يأتيها من المسلمين، وتحلّل المسلمون من إحرامهم، وعادوا إلى مكّة.
غزوة خيبر
وقعت في السنة السابعة للهجرة في آخر شهر محرّم، ذلك بعد أن رأى رسول الله التخلّص من تجمّعات اليهود؛ حيث إنّها تشكّل خطراً على المسلمين، وخرج الرسول بالفعل لتحقيق مقصده وانتهى الأمر لصالح المسلمين.
غزوة مؤتة
وقعت في السنة الثامنة للهجرة في جمادى الأولى، وسببها غضب الرسول من مقتل الحارث بن عمير الأزدي، وقد أمّر الرسول على المسلمين زيد بن حارثة وأوصى بإمارة جعفر إن أُصيب زيد ثمّ بإمارة عبد الله بن رواحة بعد جعفر، وطلب منهم دعوة الناس للإسلام قبل البدء بالقتال، وانتهى القتال بانتصار المسلمين.
غزوة الفتح
وقعت في السنة الثامنة للهجرة من شهر رمضان، وهي ذاتها فتح مكة ، وتمثّل سبب الفتح في اعتداء بني بكر على بني خزاعة وقتل عددٍ منهم، وقد تجهزّ رسول الله ومن معه للسير إلى مكة، وأسلم حينها أبو سفيان، ومنح رسول الله الأمان لمن يدخل بيته؛ تقديراً لمكانته، ودخل الرسول مكّة مكبّراً شاكراً الله على الفتح المبين ، وطاف بالكعبة المشرّفة وحطّم الأصنام وصلّى ركعتين عند الكعبة، وعفى عن قريش.
غزوة حُنين
وقعت في السنة الثامنة للهجرة في اليوم العاشر من شهر شوال، وسببها يكمُن في اعتقاد أشراف قبيلتي هوازن وثقيف بقتال الرسول لهم بعد فتح مكة فقرّروا مبادرته بالقتال وتوجّهوا لذلك، وخرج إليهم رسول الله وكلّ من أسلم معه إلى أن وصلوا وادي حُنين ، وكان النصر في بداية القتال لهوازن وثقيف ثمّ تحوّل للمسلمين بعد ثبات رسول الله ومن معه.
غزوة تبوك
وقعت في السنة التاسعة للهجرة من شهر رجب بسبب رغبة الروم بالقضاء على الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وخرج المسلمون إلى القتال وأقاموا في منطقة تبوك ما يقارب عشرين ليلة، ورجعوا دون قتالٍ.
مكاتبة الملوك و الأمراء
أرسل رسول الله عدداً من أصحابه رسلاً لدعوة الملوك والأمراء إلى توحيد الله - سبحانه-، فمن الملوك من أسلم ومنهم بقي على دينه، ويُذكر من تلك الدعوات:
ـ عمرو بن أميّة الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة.
ـ حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك مصر.
ـ عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس.
ـ دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم.
ـ العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي ملك البحرين.
ـ سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة.
ـ شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة إلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق.
ـ عمرو بن العاص إلى ملك عُمان جيفر وأخيه.
معجزات الرسول صلّى الله عليه وسلّم
إن اللّفظ الوارد في القرآن الكريم والدال على المعجزة؛ هو لفظ "الآية"، أما كلمة المعجزة فلم ترد في القرآن الكريم، وقد جاءت كلمة "آية" بمعنى العلامة والدليل على الشيء، ثم إن معجزات رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- كثيرة، وفيما يأتي بيان أشهر معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم-.
القرآن الكريم
إن ما في القرآن الكريم من الآيات ما يدلّ على عِظم فضله وما فيه من الدروس والعِبر والمعجزات الكثيرة التي يقف العقل أمامها متعجّباً، قال الله - تعالى-:{ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}، وقال -سبحانه-: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}،وتمتاز معجزة القرآن عن غيرها من المعجزات بأنها خالدةٌ وباقيةٌ إلى يوم القيامة، فكلّ ما سِوى القرآن من المعجزات قد انتهى وزال بزوال السبب والزمن، وما زال القرآن يثير الدهشة في النفس البشرية المسلمة وغيرها بما تضمّنه من الإعجاز العلمي والتشريعي والبلاغي كما سبق شرحه ، وقد ثبت عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما مِنَ الأنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ ما مِثْلُهُ أُومِنَ، أَوْ آمَنَ، عليه البَشَرُ، وإنَّما كانَ الذي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فأرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَومَ القِيَامَةِ).
الإسراء والمعراج
تعد معجزة الإسراء والمعراج ثاني أكبر المعجزات التي أيّد الله - تعالى- بها نبيّه محمد - صلّى الله عليه وسلّم- بعد القرآن الكريم، والثابت عند أهل السنة والجماعة أن رسول الله قد عُرج بجسده وروحه وهو في حالة الاستيقاظ إلى السماء، وأُسْرِي به من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ، وجاء ذلك في القرآن الكريم، قال الله - تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
"الإسراء:1" فحين وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى السماء، شاء الله - تعالى- أن يبلغ السماء السابعة وما فوقها، ثم إلى سدرة المنتهى عند جنة المأوى؛ فاطّلع عليها، وكلّمه الله - تعالى-، وفرض عليه وعلى أمّته خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، ورأى النار، والملائكة ، واطّلع على جبريل بهيئته الحقيقية، وكل ذلك كان واقعاً حقيقياً لا كذباً ومجازاً، وكان ذلك تعظيماً وتشريفاً من الله - تعالى- له، ثم نزل من السماء إلى المسجد الأقصى، وصلّى فيه إماماً بالأنبياء، وعاد إلى مكّة المكرمة قبل طلوع الفجر، وفي ذلك يقول الله - تعالى-: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى*وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى*عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى*عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى*إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى*مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى*لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}. "النجم 18:12"
انشقاق القمر
أيّد الله - تعالى - رسوله بمعجزة انشقاق القمر، قال - سبحانه-:{اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ*وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ
مُّسْتَمِرٌّ*وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ*وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ
الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ*حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}" القمر 5:1"
وكان ذلك قبل حادثة الهجرة النبوية حين طلب المشركون من رسول
الله أن يشقّ لهم القمر، وعاهدوه بالإيمان إن حدث ذلك، فدعا رسول الله
ربّه أن يشقّ لهم القمر، فلمّا كانت ليلة الرابع عشرة من الشهر؛
كان القمر حينها في أتمّ صوره، فشقّه الله - تعالى- إلى نِصفين، وشاهد
بعض الصحابة جبل حراء من بين شقّي القمر، ثم عاد واكتمل، فقد ثبت
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال:
(أنَّ أهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُرِيَهُمْ آيَةً،
فأرَاهُمُ القَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حتَّى رَأَوْا حِرَاءً بيْنَهُمَا)، وقد قرن الله - تعالى-
ذكر حادثة انشقاق القمر باقتراب الساعة، ومع أن قريش وعدوا رسول
الله بالإيمان إذا انشقّ القمر، إلا أنهم حين رأوا ذلك استمروا على
عنادهم وتجبّرهم، وكذّبوا رسول الله واتّهموه بالسِّحر، لكن العقل يرى
أن القمر من مخلوقات الله يتصرّف به كيف يشاء، قال - تعالى -:
{وَهُوَ الَّذي خَلَقَ اللَّيلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ}"الأنبياء : 33" .
نبع الماء من بين أصابعه
وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلّم- سهمه في يومٍ من الأيام في البئر في غزوة الحديبية ؛ فتكاثرت فيه الماء، وقد تكرّرت هذه الحادثة حين وضع رسول الله يده في إناء الماء، فقد روى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - فقال: (عَطِشَ النَّاسُ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ منها، ثُمَّ أقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما لَكُمْ؟ قالوا يا رَسولَ اللَّهِ: ليسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ به ولَا نَشْرَبُ، إلَّا ما في رَكْوَتِكَ، قالَ: فَوَضَعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَهُ في الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَفُورُ مِن بَيْنِ أصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ. قالَ: فَشَرِبْنَا وتَوَضَّأْنَا فَقُلتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَومَئذٍ؟ قالَ: لو كُنَّا مِئَةَ ألْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً).
إكثار الطعام
جعل الله - تعالى- لنبيّه محمد - صلى الله عليه وسلم- معجزة إكثار الطّعام وزيادة البركة فيه حتى يُطعَم منه أقوامٌ ويكفيهم، ومن ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المدينة ومعه عامر بن فهيرة وعبد الله بن أريقط، فمرّوا على خيمة أم معبد الخزاعية، فنظر رسول الله إلى الشاة وسألها عنها، فأخبرته أنّها هزيلةٌ ومتعبة، لِذا لم تستطع اللّحاق بالقطيع، فسألها إن كان بها لبن، فأجابت بالنفي، فاستأذن رسول الله منها أن يحلبها، فأجابت طلبه، وقالت: إن رأيت فيها حليباً فاحلبها، فمسح رسول الله بيده على ضرعها، وسمّى الله ودعا لها، فتدفّق اللّبن منها، فطلب إناءً يكفي القوم، وبدأ يحلب فيه، حتى نزل اللبن سريعاً وتكوّن على وجهه الرغوة، فشربت أم معبد، وشرب الصحابة حتى ارتووا، وشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعدهم، وجلس ليستريح، ثم قام فحلبها مرةً ثانية لأم معبد، فلما رأت ذلك أسلمت وبايعت رسول الله، ثم بعد قليل جاء زوجها ومعه القطيع، وقد جاءت الأغنام كما ذهبت لم تأكل شيئاً، فلما رأى أبو معبد اللبن تعجّب مما حصل.
تكلّم الجمادات والحيوانات
أخبر رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه منذ أُوحي إليه ما مرّ بشجرٍ ولا حجرٍ إلا قال له: "السلام عليك يا رسول الله"، فقد كان الشجر يُسلّم عليه ويُطيعه ويشهد له بالرسالة، وكذلك لمّا كان يدخل بين شعب الجبال وبطون الأودية؛ كانت تسلّم عليه فيردّ عليها السلام.
وقد روى جابر - رضي الله عنه - أنّه حين كان وأبيه مع رسول الله في وادٍ؛ ذهب رسول الله كي يقضي حاجته، فتبعه جابر بإناءٍ من الماء، فإذا برسول الله لا يجد شيئاً يستتر به، فوجد شجرتان نحوه، فذهب إلى واحدةٍ منها وأمسك منها غصناً وقال: (انقادي عليّ بإذن الله)، فتبعته وانقادت معه، ثم ذهب إلى الشجرة الأخرى فأمسك منها غصناً وقال لها كما قال للأولى، فانقادت معه وتبعته، حتى إذا اقتربتا من بعضهما وكان النبيّ في المنتصف منهما؛ أمرهما أن يلتئما، فالتأمتا جنباً إلى جنبٍ، فخرج جابر مخافة أن يشعر رسول الله بقربه، وجلس بعيداً، فإذا برسول الله مقبلاً والشجرتان قد افترقتا، وقامت كل واحدةٍ منهما على ساق، فوقف رسول الله وأشار برأسه يميناً وشمالاً، ثم أقبل على جابر، فقال: (يا جابر، هل رأيت مقامي)؟ قال جابر: نعم يا رسول الله، فأمره النبيّ أن يذهب إلى الشجرتين ويأخذ من كل واحدةٍ منهما غصناً، فيجعل واحداً عن يمينه والآخر عن شماله، ففعل جابر ذلك وأخبر رسول الله، فقال له رسول الله: (إنِّي مَرَرْتُ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فأحْبَبْتُ، بشَفَاعَتِي، أَنْ يُرَفَّهَ عنْهمَا، ما دَامَ الغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ). وروى جابر عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- أنّه حين كان يخطب بالناس يوم الجمعة ؛ كان يقوم إلى شجرةٍ أو نخلة، فقالت له امرأةٌ من الأنصار: "ألا نجعل لك منبراً يا رسول الله"؟ فقال رسول الله: (إن شئتم)، فصنعوا له منبراً، فلما جاء يوم الجمعة التالي، صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على المنبر للخُطبة، وإذ بالنخلة تصيح وتبكي كالصبي، فنزل رسول الله عن المنبر وضمّها إليه، فبدأت تسكُن، وقد كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها، ويروي أنس بن مالك عن جماعةٍ من الأنصار أنه كان لهم جملٌ يحملون عليه الماء، فاستصعب عليهم ولم يرغب بحمل الماء، وقد جفّ النخل والزرع، فشكوا ذلك إلى رسول الله، فقام هو وأصحابه، ومشى رسول الله نحو الجمل، فخاف الأنصار على رسول الله من الجمل، إذ أصبح ثائراً، فطمأنهم رسول الله بأنه لا يقدر عليه، فلما رأى الجمل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- أقبل عليه وخرّ ساجداً خاضعاً بين يديه. ومن معجزات الرسول - صلّى الله عليه وسلّم- أن الطعام يسبِّح بين يديه حتّى يسمع تسبيحه، فإنّ بركة نبيّ الله تصل إلى الأكل الذي بيده، فيشعر الطعام أنّه بيد خير الأنبياء، ويسبّح الله - تعالى- حتى يُسمع تسبيحه، وتسبيح الجمادات من المعجزات،
ومن معجزاته أن زينب بنت الحارث وهي زوجة سلام بن مشكم؛ سألت عن أحبّ أعضاء الشاة لرسول الله، فقيل لها الذراع، فأحضرت شاةً ووضعت بها السّمّ، وأكثرت منه في الذراع، وقدّمتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما وضعتها له تناول من الذراع لقمة، فلم يستسِغ طعمها وأخرجها من فمه، وقال إنّ هذه الذراع أخبرته أنّها مسمونة، وكان معه بشر بن البراء وقد أخذ منها مثل ما أخذ النبي، ولكنه استساغ طعمها، ثم بعث إلى زينب فأتت واعترفت، وسألها عمّا دعاها إلى فعل ذلك، فقالت له إنها أردات أن تختبره إن كان ملكاً فيموت، وإن كنت نبيّاً فسيُخبَر بالسّمّ، فعفى عنها رسول الله، ومات بشر على إثر السمّ الذي تناوله.
إبراء المرضى
جعل الله - تعالى- لنبيّه محمد - صلّى الله عليه وسلّم - مثل ما جعله لنبيّه عيسى - عليه السلام - من إبراء المرضى، فقد شُفيَ على يديه بعضٌ من أصحابه - رضي الله عنهم-، ومن ذلك شفاء عين عليّ - رضي الله عنه-، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر: (لأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسوله وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسولُهُ قالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، قالَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا، فَقالَ أَيْنَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فَقالوا: هو يا رَسولَ اللهِ، يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قالَ فأرْسِلُوا إلَيْهِ، فَأُتِيَ به، فَبَصَقَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في عَيْنَيْهِ، وَدَعَا له فَبَرَأَ، حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وَجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ). وكان أبو رافع بن أبي الحقيق تاجرٌ مشهورٌ في مكة المكرمة، وكان من أشدّ الناس عداوة للإسلام والمسلمين، فقد شكّل الأحزاب المعادية للمسلمين، وأمدّهم بالمعونة، كما تعرّض لرسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- بالأذى، وبعدما انتهى المسلمون من بني قريظة، جاءت الخزرج تطلب من رسول الله أن يأذن لهم بقتله، فأذن لهم رسول الله بذلك، ونهاهم عن قتل النساء والصبيان، فاجتمع من بني سلمة خمسة رجال وأمّروا عليهم عبد الله بن عتيك، وخرجوا فقتلوه، وفي طريق العودة وقع عبد الله فانكسرت ساقه، فربط عليها عصبة، ولما وصل إلى رسول الله، أمره الرسول أن يبسط رجله، فبسطها، فمسح عليها رسول الله، فشُفيت كأن لم يكن بها شيئاً.
وفاة النبي
توفّي النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشر للهجرة النبوية، ذلك بعد مرضه واشتداده عليه، وطلب من زوجاته أن يمرّض ببيت أم المؤمنين عائشة، وكانت عادة رسول الله في مرضه أن يدعو الله - تعالى- ويُرقي نفسه، وكانت عائشة تفعل ذلك له أيضاً، وفي مرضه أشار بقدوم ابنته فاطمة الزهراء ، وتحدّث إليها مرتين سرّاً فبكت في الأولى وضحكت في الثانية، فسألتها عائشة - رضي الله عنها- عن ذلك، فأجابتها بأنّه أخبرها في الأولى بأنّ روحه ستقبض، وأخبرها في الثانية بأنّها ستكون أول من يلحق به من أهل بيته. وفي يوم وفاته - صلّى الله عليه وسلّم- كُشف ستار حجرته والمسلمين منتظمين للصلاة وتبسّم ضاحكاً، فظنّ أبا بكر أنّه يريد الصلاة معهم، إلّا أنّ النبي أشار عليه بإتمام الصلاة ثمّ أرخى الستار، واختلفت الروايات في تحديد عمره حين وفاته، فقيل: ثلاثة وستون سنةً وهو الأشهر، وقيل خمسة وستون، أو ستون، ودفن مكان وفاته في حفرةٍ حُفرت تحت فراشه الذي تُوفّي فيه.
كيفية نصرة النبيﷺ والرد على الاساءه إلى الإسلام
لن يتحقق إلا من خلال رؤية شامله للرد على الاساءه إلى الإسلام، تتجاوز الرد الاني والتلقائي ، إلى الرد المستمر والمنظم ، ومن خلال آليات متعددة منها:
* توظيف التقدم في وسائل الاتصال والإعلام في التعريف بالإسلام ورموزه.
* الاهتمام بترجمة كل ما يتعلق بالإسلام دينا وحضارةً وفكراً إلى جميع اللغات الحية.
* استخدام الوسائل القانونية، والاستناد إلى القوانين التي تجرم الاساءه إلى معتقدات الآخرين والعنصرية والكراهية في الغرب في الرد على الاساءه إلى الإسلام ورموزه.
* مقاطعه الجهات ذات الصلة بنشر وترويج الأعمال المسيئة للإسلام ورموزه.
* الرد على الأعمال المسيئة بالحجة والبرهان وبالرجوع إلى النصوص الدينية.
كيفية نصرة النبي على مستوى الدعاة وطلبة العلم هناك العديد من الأمور التي تُوضّح دور الدعاة وطلبة العلم في نصرة رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-، منها ما يأتي :
* العمل على توضيح ملامح دعوة رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-؛ من خلال إبراز سماتها وأهم أهدافها؛ وهو دعوة كافّة الناس إلى إفراد الله - تعالى- بالعبودية.
* العمل على تذكير الناس بأهمّ المواقف والأحداث من سيرة رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-؛ للحديث عن ذلك من حينٍ إلى آخر.
* الاهتمام بتوضيح الصفات الخَلقية والخُلقية لرسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- قبل الرسالة وبعدها، والإشارة إلى منزلته العظيمة وما امتاز به وأمّته.
* الاهتمام بتوضيح الوسائل التي اتّبعها رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- في التعامل مع أعداء الدين والإسلام من المشركين والمنافقين وغيرهم.
* الاهتمام بالآيات القرآنية التي يكون مدارحديثها عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-؛ بتخصيصها بالشرح والبيان، في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، أو في مجالَي التعلّم والتعليم.
* بذل الجهد في تمهيد طريق الهداية ودعوة الناس إليه على اختلاف أعراقهم وأنسابهم.
* بذل الجهد في الدفاع عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- بردّ الشبهات والأكاذيب التي تُحاك حوله وحول سنّته.
* المحافظة على الأسلوب البسيط في حثّ الناس على التّمسك والالتزام بسنّة رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-، وبذل الجهد في تصحيح الأفكار الخاطئة التي تُنسب إليه ولسنّته الشريفة وتدور في أذهان الناس.
* العمل على بيان حقّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وفضله العظيم على أمّته، ممّا يغرس محبّته في نفوس الناس أجمعين .
* التحدث كثيراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم ـ في جوانب متعدّدةٍ من حياته - صلّى الله عليه وسلّم-، ممّا يُبرز معالم شخصيّته ويُوضّحها للعالم.
* توفير الدعم المالي لدراسة السّيرة النبويّة في الجامعات الغربيّة المرموقة. والاهتمام بالسّيرة النبويّة من خلال الدعوة إلى البحث العلمي فيها، والعناية بكتب السنّة مع التشجيع على ترتيبها وفق أقسامٍ واضحةٍ متعدّدةٍ.
* السّعي في تهيئة موسوعاتٍ أكاديميّةٍ غزيرةٍ بالسّيرة النبويّة، بحيث تصبح مراجع مُعتَمدة فيها، وبذل الجهد في ترجمتها إلى لغاتٍ عالميةٍ متعدّدةٍ.